الصيام
\
الصيام ، يطلق على الامساك . قال الله تعالى : ( إني نذرت للرحمن صوما )
أي إمساكا عن الكلام . والمقصود به هنا ، الامساك عن المفطرات ، من طلوع
الفجر إلى غروب الشمس ، مع النية
فضله : 1 - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله
عزوجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام ، فإنه لي ( 1 ) ، وأنا أجزي به ( 2
) ، والصيام جنة ( 3 ) ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ( 4 ) ، ولا
يصخب ( 5 ) ، ولا يجهل ( 6 ) ، فإن شاتمه أحد ، أو قاتله ، فليقل : إني
صائم ، مرتين ، والذي نفس محمد بيده لخلوف ( 7 ) فم الصائم ، أطيب عند الله
يوم القيامة من ريح المسك ، وللصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره ،
وإذا لقي ربه فرح بصومه " . رواه أحمد ، ومسلم ، والنسائي . 2 - ورواية
البخاري ، وأبى داود : " الصيام جنة ، فإذا كان أحدكم صائما ، فلا يرفث ،
ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله ، أو شاتمه فليقل ، إني صائم ، مرتين ، والذي
نفس محمد بيده ، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، يترك طعامه
وشرابه وشهوته من أجلي . الصيام لي ، وأنا أجزي به ، والحسنة بعشرة أمثالها
" . ( هامش ) ( 1 ) إضافته إلى الله إضافة تشريف . ( 2 ) هذا الحديث بعضه
قدسي وبعضه نبوي . فالنبوي . من قوله : والصيام جنة إلى آخر الحديث . ( 3 )
" جنة " أي مانع من المعاصي . ( 4 ) " الرفث " أي الفحش في القول . ( 5 ) "
لا يصخب " أي لا يصيح . ( 6 ) " لا يجهل " أي لا يسفه . ( 7 ) " الخلوف "
تغير رائحة الفم بسبب الصوم . ( . ) / صفحة 432 / 3 - وعن عبد الله بن عمرو
. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم
القيامة ، يقول الصيام أي ( 1 ) رب منعته الطعام والشهوات ، بالنهار ،
فشفعني به . ويقول القرآن : منعته النوم بالليل ، فشفعني فيه فيشفعان ( 2 )
" رواه أحمد بسند صحيح . 4 - وعن أبي أمامة قال : أتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فقلت : مرني بعمل يدخلني الجنة ، قال : " عليك بالصوم فإنه لا
عدل له " ( 3 ) ثم أتيته الثانية ، فقال : " عليك بالصيام " . رواه أحمد ،
والنسائي ، والحاكم ، وصححة . 5 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يصوم عبد يوما في سبيل الله الا باعد
الله بذلك اليوم النار عن وجهه ، سبعين خريفا " رواه الجماعة ، إلا أبا
داود . 6 - وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن للجنة
بابا ، يقال له : الريان ، يقال يوم القيامة : أين الصائمون ؟ فإذا دخل
آخرهم أغلق ذلك الباب " . رواه البخاري ومسلم . أقسامه : الصيام قسمان :
فرض ، وتطوع . والفرض ينقسم ثلاثة أقسام : 1 - صوم رمضان . 2 - صوم
الكفارات . 3 - صوم النذر . والكلام هنا ينحصر في صوم رمضان ، وفي صوم
التطوع . أما بقية الاقسام ، فتأتي في مواضعها . صوم رمضان حكمه : صوم
رمضان ، واجب بالكتاب ، والسنة والاجماع . ( هامش ) ( 1 ) " أي " حرف نداء
بمعنى " يا " أي : يا رب . ( 2 ) أي تقبل شفاعتهما . ( 3 ) " لا عدل له "
أي لا مثل له . ( . ) / صفحة 433 / فأما الكتاب : فقول الله تعالى : ( يا
أيها الذين آمنوا كتب ( 1 ) عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون ) وقال : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من
الهدى والفرقان فمن شهد ( 2 ) منكم الشهر فليصمه ) . وأما السنة : فقول
النبي صلى الله عليه وسلم : " بني الاسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا
الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان
وحج البيت " . وفي حديث طلحة بن عبيد الله ، " أن رجلا سأل النبي صلى الله
عليه وسلم فقال : يا رسول الله . أخبرني عما فرض الله علي من الصيام ؟ قال :
" شهر رمضان " . قال : هل علي غيره ؟ قال : " لا . إلا أن تطوع " . وأجمعت
الامة : على وجوب صيام رمضان . وأنه أحد أركان الاسلام ، التي علمت من
الدين بالضرورة ، وأن منكره كافر مرتد عن الاسلام . وكانت فرضيته يوم
الاثنين ، لليلتين خلتا من شعبان ، من السنة الثانية من الهجرة . فضل شهر
رمضان ، وفضل العمل فيه : 1 - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لما حضر رمضان " قد جاءكم شهر مبارك ، افترض الله عليكم صيامه ، تفتح
فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة
خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم " رواه أحمد ، والنسائي ، والبيهقي . 2
- وعن عرفجة قال : كنت عند عتبة بن فرقد وهو يحدث عن رمضان
.................................................. ..........
- فقه السنة - الشيخ سيد سابق ج 1 ص 433 :
قال : فدخل علينا رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه عتبة
هابه ، فسكت ، قال : فحدث عن رمضان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول في رمضان ، " تغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنة ، وتصفد فيه
الشياطين ، قال : وينادي فيه ملك : يا باغي الخير أبشر ، ويا ( هامش ) ( 1 )
" كتب " أي فرض . ( 2 ) شهد : حضر . ( . ) / صفحة 434 / باغي الشر أقصر ،
حتى ينقضي رمضان . " رواه أحمد ، والنسائي وسنده جيد . 3 - وعن أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ،
ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ، إذا اجتنبت الكبائر " . رواه مسلم . 4
- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
من صام رمضان وعرف حدوده ، وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله "
رواه أحمد ، والبيهقي ، بسند جيد . 5 - وعن أبي هريرة قال ، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا ( 1 ) غفر له ما
تقدم من ذنبه " رواه أحمد ، وأصحاب السنن . الترهيب من الفطر في رمضان : 1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
عرى الاسلام ، وقواعد الدين ثلاثة ، عليهن أسس الاسلام ، من ترك واحدة منهن
، فهو بها كافر حلال الدم : شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة المكتوبة ،
وصوم رمضان " رواه أبو يعلى ، والديلمي ، وصححه الذهبي . 2 - وعن أبي
هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أفطر يوما من رمضان ، في
غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر كله ، وإن صامه " رواه أبو
داود ، وابن ماجه ، والترمذي ، وقال البخاري : ويذكر عن أبي هريرة رفعه : "
من أفطر يوما من رمضان ، من غير عذر ، ولا مرض ، لا يقضه صوم الدهر ، وإن
صامه " . وبه قال ابن مسعود . قال الذهبي : وعند المؤمنين مقرر : أن من ترك
صوم رمضان بلا مرض ، أنه شر من الزاني ، ومدمن الخمر ، بل يشكون في إسلامه
، ويظنون به الزندقة ، والانحلال . ( هامش ) ( 1 ) " احتسابا " أي طالبا
وجه الله وثوابه . ( . ) / صفحة 435 / بم يثبت الشهر : يثبت شهر رمضان
برؤية الهلال ، ولو من واحد عدل أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما . 1 - فعن
ابن عمر رضي الله عنهما قال : تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى
الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام ، وأمر الناس بصيامه . رواه أبو داود ،
والحاكم ، وابن حبان ، وصححاه . 2 - وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : " صوموا لرؤيته ( 1 ) وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا
عدة شعبان ثلاثين يوما . " رواه البخاري ومسلم . . قال الترمذي : والعمل
على هذا عند أكثر أهل العلم ، قالوا : تقبل شهادة رجل واحد ، في الصيام ،
وبه يقول ابن المبارك والشافعي ، وأحمد . وقال النووي : وهو الاصح . وأما
هلال شوال ، فيثبت بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوماو لا تقبل فيه شهادة العدل
الواحد ، عند عامة الفقهاء . واشترطوا أن يشهد على رؤيته ، اثنان ذوا عدل ،
إلا أبا ثور فإنه لم يفرق في ذلك بين هلال شوال ، وهلال رمضان ، وقال :
يقبل فيهما شهادة الواحد العدل . قال ابن رشد : " ومذهب أبي بكر بن المنذر ،
هو مذهب أبي ثور ، وأحسبه مذهب أهل الظاهر . وقد احتج أبو بكربن المنذر ،
بانعقاد الاجماع على وجوب الفطر ، والامساك عن الاكل ، بقول واحد ، فوجب أن
يكون الامر كذلك ، في دخول الشهر وخروجه ، إذ كلاهما علامة ، تفصل زمان
الفطر من زمان الصوم " . وقال الشوكاني : وإذا لم يرد ما يدل على اعتبار
الاثنين في شهادة الافطار من الادلة الصحيحة ، فالظاهر أنه يكفي فيه قياسا
على الاكتفاء به في الصوم . ( هامش ) ( 1 ) المراد بالرؤية : الرؤية
الليلية . ( . ) / صفحة 436 / وأيضا ، التعبد بقبول خبر الواحد ، يدل على
قبوله في كل موضع ، إلا ما ورد الدليل بتخصيصه ، بعدم التعبد فيه بخبر
الواحد ، كالشهادة على الاموال ونحوها ، فالظاهر ما ذهب إليه أبو ثور .
اختلاف المطالع : ذهب الجمهور : إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع . فمتى
رأى الهلال أهل بلد ، وجب الصوم على جميع البلاد لقول الرسول صلى الله عليه
وسلم " صوموا لرؤيته ، وافطروا لرؤيته " . وهو خطاب عام لجميع الامة فمن
رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعا . وذهب عكرمة ، والقاسم بن
محمد ، وسالم ، وإسحاق ، والصحيح عند الاحناف ، والمختار عند الشافعية :
أنه يعتبر لاهل كل بلد رؤيتهم ، ولا يلزمهم رؤية غيرهم . لما رواه كريب قال
: قدمت الشام ، واستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام ، فرأيت الهلال ليلة
الجمعة . ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني ابن عباس - ثم ذكر الهلال -
فقال : متى رأيتهم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة فقال : أنت رأيته ؟
فقلت : نعم ، ورآه الناس ، وصاموا ، وصام
.................................................. ..........
- فقه السنة - الشيخ سيد سابق ج 1 ص 436 :
معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين ،
أو نراه ، فقلت : ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا . . . هكذا
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه أحمد ، ومسلم والترمذي . وقال
الترمذي : حسن ، صحيح ، غريب ، والعمل على هذا الحديث ، عند أهل العلم ، أن
لكل بلد رؤيتهم . وفي فتح العلام شرح بلوغ المرام : الاقرب لزوم أهل بلد
الرؤية ، وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها ( 1 ) . ( هامش ) ( 1 )
هذا هو المشاهد ، ويتفق مع الواقع . ( . ) / صفحة 437 / من رأى الهلال وحده
: اتفقت أئمة الفقه على أن من أبصر هلال الصوم وحده أن يصوم . وخالف عطاء
فقال : لا يصوم إلا برؤية غيره معه . واختلفوا في رؤيته هلال شوال ، والحق
أنه يفطر كما قال الشافعي ، وأبو ثور . فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد
أوجب الصوم والفطر للرؤية ، والرؤية حاصلة له يقينا ، وهذا أمر مداره الحس ،
فلا يحتاج إلى مشاركة .