الفارون سلموا نقود تكاليف المهمة لعائلاتهم في مطار الجزائر l اثنان من الفارين ينتظران مولودا
حزمت واحدة من أعضاء فرقة البالي الوطني الفارين بكندا أمتعتها عائدة إلى الجزائر، بعد أن فشلت في إقناع رفاقها الثمانية بالعودة، واختارت جريدة ''الخبر'' لتسرد على صفحاتها تفاصيل رحلتها وزملاءها إلى شمال القارة الأمريكية، وكيف تحولت سفرية للاحتفاء بعيد ثورة التحرير، في الجانب الآخر من العالم، إلى تذكرة وداع بلا عودة في شهر الثورة.
''أفضل العودة في تابوت على أن أمتطي الطائرة بمحض إرادتي للعودة إلى الجزائر''، هي كلمات وجهها إلى السفير الجزائري في كندا، أحد أعضاء فرقة البالي الوطني الثمانية، بينهم فتاة، الذين رفضوا العودة إلى الجزائر، والبقاء هناك بعد تقديمهم حفلا فنيا ناجحا بمناسبة الذكرى السادسة والخمسين لاندلاع ثورة التحرير، نقلتها لنا بأمانة عائدة من مشروع ''حرفة'' لم يتم، اختارت التحفظ على اسمها، واخترنا لها اسم حورية في شهر كان بوابتنا لافتكاك الحرية وكان مصدر إلهام لشاعر الثورة مفدي زكريا.
أعضاء البالي القدامى أقنعوا الفارين بالبقاء في كندا
كان إسدال الستار على عرض البالي الوطني على خشبة مسرح ''ميزوناف'' بمدينة مونتريال الكندية، في العاشر من الشهر الحالي، أمام حوالي 1400 متفرج صفقوا للعرض بحرارة، عنوانا لبداية عرض آخر في كواليس فندق ''إكسبريسوا''، مقر إقامة وفد البالي الوطني، بعد أن بلغ رئيسة البعثة أن مجموعة من الشباب اتخذوا قرار البقاء في كندا.
وبالكثير من التأثـر، عادت محدثنا حورية إلى تفاصيل هذه القصة التي أسالت الكثير من الحبر، في الأيام القليلة الماضية، عن فنانين رموا المنشفة واختاروا ''الحرفة'' وإدارة ظهرهم لبلدهم الذي شدوا باسمه كثيرا في أكثـر من مناسبة في عدة دول كانت آخرها كندا، التي ذرفوا فيها الدموع باتخاذهم قرار عدم العودة، لأن ظروفا أقوى منهم دفعتهم لذلك، على حد قول زميلتهم العائدة في حديثها إلينا.
تقول محدثتنا: ''لم يفكر زملائي في ''الحرفة'' وهم يمتطون الطائرة باتجاه كندا، لكن بوصولنا إلى هناك حاول بعض الزملاء القدامى في البالي زرع البلبلة بين الجميع، محاولين التأثير عليهم بإقناعهم بعدم العودة إلى الجزائر، لأن البالي سيحل بعد إقالة المديرة، وسيجدون أنفسهم بدون عمل عند عودتهم إلى الجزائر، وأغلبهم يعيل أسرته هنا''.
كلمات السفير زادت من عزمهم على الفرار
تواصل محدثتنا، وعلامات التأثـر بادية عليها: ''لم تكن حالة زملائي طبيعية بعد العرض، كان بعضهم يبكي.. والبعض الآخر مشغول التفكير، فيما كانت رئيسة البعثة تتنقل بين الغرف في محاولة أخيرة لإثنائهم عما عزموا عليه، حتى أنها أخفت عنهم حقائبهم وجردتهم حتى من ساعات اليد، واحتفظت بجوازات السفر، لكن حتى ذلك الوقت لم ينفذ أصدقائي تهديدهم، غير أن لقاءهم مع السفير كان النقطة التي أفاضت الكأس''.
تتوقف حورية لتستجمع أفكارها قبل أن تواصل: ''بعد العرض الذي كان ناجحا بشهادة الجميع، جمعنا السفير في بهو الفندق، شكرنا على الأداء وأكد لنا أننا شرفنا الجزائر، وبأننا أحسنا تمثيلها في ديار الغربة، قبل أن يتحدث عما بلغه حول عزم بعض العناصر على عدم العودة مع الوفد إلى الجزائر، مؤكدا لهم، حسبها، أنه قادر على إعادتهم إلى الجزائر مكبلين بالسلاسل''.
وهنا تتوقف الشابة التي لم تكمل ربيعها الخامس والعشرين بعد، وهي تغالب دموعها لتقول: ''وقع هذه الكلمات كان بالغا عند زملائي، ففي هذه اللحظة تكلم زميلي ''ب. ب'' وهو المسؤول عن إعالة عائلته، قال للسفير إنه مستعد للعودة في تابوت على العودة ماشيا على قدميه إلى الجزائر، بسبب ''الحفرة'' التي يعاني منها وزملاؤه ومن كل شيء وحتى من الأجر الزهيد الذي يدفع لهم في البالي''. وكرد فعل على ذلك، تواصل المتحدثة، ''ترك مكانه وخرج من الفندق بملابس صيفية في برد قارس''.
وأصرت حورية في حديثها إلينا على أن لغة التهديد والوعيد التي تحدث بها السفير زادت من عزمهم على الهروب وعدم العودة. ففي اليوم الموالي اختفى من الفندق سبعة أعضاء آخرين خرجوا تباعا بدون حقائبهم، وفي هذا الوقت كانت رئيسة البعثة تترجى الجميع للاتصال بهم أو محاولة العثور عليهم، حتى أنها ذرفت الدموع وهي تردد للجميع ''فقدت إخوتي في هذا البلد ولم أفقد زملائي''.
حورية تقرر الالتحاق بزملائها وتفر من المطار
وأكدت محدثتنا، التي كانت بالكاد تلملم كلماتها المبعثرة، أنها تأثـرت كثيرا لغياب زملائها، ولم تجف دموعها، على حد قولها، وهي تنتظر إلى جانب باقي أعضاء الوفد موعد إقلاع الطائرة من مطار مونتريال، قبل أن تخبرها زميلتها ''أ. م''، 22 سنة، أنها على اتصال بهم، وبأنها تعرف مكان تواجدهم في حي ''سانتا كاترينا'' بمونتريال، وأبلغتها أنها مستعدة لمرافقتها إلى هناك من أجل إقناعهم بضرورة العودة، وهو ما وافقت عليها حورية.
وبالفعل وصلت حورية وزميلتها إلى مكان تواجد زملائهما، حيث التقى الجميع في قاعة شاي، مواصلة: ''استغرب زملاؤنا تواجدنا في المكان، وحاولوا إقناعنا بالعودة إلى المطار قبل إقلاع طائرة الوفد إلى الجزائر، مؤكدين أنهم اتخذوا قرارا نهائيا بعدم العودة، وأصروا علينا للحاق بالوفد لأنني وزميلتي فتاتان ولا نستطيع تدبر أمرنا لوحدنا، حسبهم''.
مسنة كندية آوتهم في بيتها دون مقابل
ولأن حورية وصديقتها أصرتا على البقاء معهم، رافقتا الأعضاء السبعة إلى بيت مسنة كندية. هذه الأخيرة وافقت، حسبها، على بقائهم في بيتها إلى أن يتدبروا أمرهم بعد أن رقت لحالهم، مواصلة: ''كان الجميع يبيت في غرفة واحدة باردة، ويتكفلون بأنفسهم بأكلهم ببعض الدولارات الباقية، كون الأغلبية تركوا نقود تكاليف المهمة لعائلاتهم في المطار مادام أغلبهم يعيل أسرته''.
تواصل محدثتنا وهي تتوقف عند موقف لأحد الزملاء الفارين، هو أب لطفلة وزوجته الحامل: ''لم يتوقف ''ر. ح'' عن البكاء وأنا أحاول إثناءه عن قرار البقاء، وظل يردد ''ليس عندي ما أخسره، سأبقى هنا لأحاول تسوية وضعية الإقامة القانونية، لأصطحب زوجتي وابني.. ''، أراد أن يرى طفله النور في ظروف أحسن من تلك التي عاشها هو''. ولم يكن ''ر. ح'' الوحيد بينهم الذي ترك زوجة حاملا تنتظر أن تضع قريبا مولودا جديدا للحياة، فزميله ''ج. م'' ترك أيضا عروسه بعد خمسة أشهر فقط من زواجه، وهي الأخرى تنتظر مولودا بعد أشهر قليلة، سيرى النور والده في الجانب الآخر من العالم. فيما تركت الفتاة ''أ. م'' والدتها على موعد مع إجراء عملية جراحية جد معقدة، ''لكنها اكتفت بالدعاء لوالدتها.. فظروفها المادية القاهرة ''واحتقار المجتمع لمهنتنا جعلها أمام خيارين أحلاهما مر'' تضيف المتحدثة.
وأكدت حورية أن زملاءها اطلعوا على خبر هروبهم على صفحات ''الخبر'' والمواقع الأجنبية، ورغم الضجة التي أحدثها خبر هروبهم إلا أنهم استقبلوا الأمر ببساطة قائلين: ''على الأقل تمكنا من إسماع صوتنا ولو مرة في حياتنا إلى الرأي العام للظروف التي جعلتنا نذهب دون عودة''.
فشل مهمة حورية في إقناع زملائها في العودة، جعلها في اليوم التالي للقائها بهم تتوجه إلى مقر السفارة الجزائرية، لتسهيل عودتها للجزائر، بعد أن أكدت للسفير أن تخلفها عن العودة مع الوفد كان بسبب محاولتها ثني زملائها عن قرارهم بالعودة، ولم تنكر المتحدثة أنها تحفظت على ذكر مكان تواجدهم للسفير الذي سلمها مبلغا ماليا بقيمة 180 دولار لتسديد تكاليف إقامتها، قبل أن يتم ترحيلها إلى الجزائر في أقرب رحلة، والتي كانت بعد ثلاثة أيام. تصمت قليلا قبل أن تقول: ''اتصل بي السفير هاتفيا وأنا في الطائرة قبل إقلاعها، وطلب مني محاولة إقناع زملائي بالعودة أو إخبار مصالح السفارة بمكان تواجدهم في حال اتصالهم بي، كونه تحدث مع وزير الهجرة الكندي الذي أكد له تعاونه وبأنه سيتم ترحيلهم مباشرة بانتهاء صلاحية التأشيرة بعد ستة أشهر''.
محدثتنا التي اختارت طوعيا العودة إلى الجزائر لم تتردد في إبداء ندمها على ذلك قائلة: ''نحن نعشق هذا البلد وباسمه غنينا في دول العالم من روسيا إلى قطر.. وإن فكر زملائي في الهرب فهذا لأننا نتنفس الحفرة في بلادنا، ولو عادت عقارب الساعة إلى الوراء ما كنت لأعود أدراجي''.
راقصو البالي الفارون يطلبون اللجوء السياسي في كندا
أفادت تقارير إعلامية، أمس، أن أعضاء البالي الوطني الجزائري الثمانية، الذين اختاروا البقاء في كندا وعدم العودة إلى الجزائر، بعد تقديمهم حفلا فنيا راقصا في مسرح ''ميزوناف'' بمدينة مونتريال الكندية، في العاشر من الشهر الحالي، تقدموا بطلب اللجوء السياسي للسلطات الكندية.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية تصريحا للسيد مصطفى شلفي، مدير مجلة ''ألفا'' الشهرية الناطقة باسم الجالية المغاربية، يؤكد فيه أن النظرة الدونية التي يقابل بها الراقصون في الجزائر الدافع الرئيسي وراء قرار أعضاء البالي اختيار البقاء في كندا.
وذكر شلفي، في حديثه إلى وكالة الأنباء الفرنسية: ''إن التدين يزداد بروزا في الجزائر، والحجاب الذي كان غير موجود في السبعينات بات معروفا بكثـرة اليوم، ولذلك عندما تأتي راقصة إلى حي فقير أو شعبي، تقابل بنظرة دونية، ويعتبرونها عاهرة ويفسدون حياتها بتلميحات مؤذية، فيما تعيش بسلام هنا في كندا''.
يشار إلى أن مدة صلاحية تأشيرة الراقصين الفارين تنتهي بعد ستة أشهر، تكون فيها إقامتهم في كندا غير قانونية، علما أنهم من دون وثائق بعد تجريدهم من جوازات سفرهم من قبل مسؤولي الوفد الجزائري.