عشرون وصيه في شهر الخير
هل علينا شهر رمضان ، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار . ومع إطلالة
هذا الشهر المبارك يحلو الحديث عن الفوائد الروحية والنفسية والجسدية لصيام
رمضان , ولكن هناك وقفات صحية، ووصايا طبية ، لا بد أن نعيرها شيئا من
الانتباه ليكون لنا رمضان أيضا الصحة والنشاط والعطاء . ونستعرض في هذا
المقال بعضا من تلك الوصايا :
1 - كلوا واشربوا ولا تسرفوا "الأعراف "
تلك هي آية في كتاب الله ، جمعت علم الغذاء كله في ثلاث كلمات . فإذا جاء
شهر رمضان ، والتزم الصائم بهذه الآية ، وتجنب الإفراط في الدهون والحلويات
والأطعمة الثقيلة ، وخرج في نهاية شهر رمضان ، وقد نقص وزنه قليلا ،
وانخفضت الدهون ، يكون في غاية الصحة والسعادة ، وبذلك يجد في رمضان وقاية
لقلبه ، وارتياحا في جسده . فالكنافة والقطائف وكثير من الحلويات واللحوم
والدسم تتحول في الجسم إلى دهون ، وزيادة في الوزن ، وعبء على القلب . وقد
اعتاد الكثير منا على حشو بطنه بأصناف الطعام ، ثم يطفئ لهيب المعدة
بزجاجات المياه الغازية أو المثلجات .
وقد أكد الباحثون أنه على الرغم من عدم التزام الكثير من المسلمين ، للأسف
الشديد ، بقواعد الإسلام الصحية في غذاء رمضان ورغم إسرافهم في تناول
الأطباق الرمضانية الدسمة والحلويات ، فإن صيام رمضان قد يحقق نقصا في وزن
الصائمين بمقدار 2-3 كيلوجرامات في عدد من الدراسات العلمية .
2 - لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر .
حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه . وفي التعجيل بالإفطار آثار
صحية ونفسية هامة . فالصائم يكون في ذلك الوقت بحاجة ماسة إلى ما يعوضه
عما فقد من ماء وطاقة أثناء النهار والتأخير في الإفطار يزيد من انخفاض سكر
الدم ، مما يؤدي إلى شعور بالهبوط والإعياء العام وفي ذلك تعذيب نفسي لا
طائل منه ، ولا ترضاه الشريعة السمحاء .
3- إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر :
وهذا حديث آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الأربعة . وعن أنس رضي
الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلي على رطيبات ،
فإن لم تكن رطيبات فتمرات ، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من الماء " رواه
الترمذي وأبو داود ، فالصائم عند الإفطار بحاجة إلى مصدر سكري سريع ، يدفع
عنه الجوع ، مثلما هو بحاجة إلى الماء . والإفطار على التمر والماء يحقق
الهدفين وهما دفع الجوع والعطش . وتستطيع المعدة والأمعاء الخالية امتصاص
المواد السكرية بسرعة كبيرة ، كما يحتوي الرطب والتمر على كمية من الألياف
مما يقي من الإمساك ، ويعطي الإنسان شعورا بالامتلاء فلا يكثر الصائم من
تناول مختلف أنواع الطعام .
4- أفطر على مرحلتين :
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجل فطره على تمرات أو ماء ، ثم
يعجل صلاة المغرب ، ويقدمها على إكمال طعام إفطاره . وفي ذلك حكمة نبوية
رائعة . فتناول شيء من التمر والماء ينبه المعدة تنبيها حقيقيا ، وخلال
فترة الصلاة تقوم المعدة بامتصاص المادة السكرية والماء ، ويزول الشعور
بالعطش والجوع . ويعود الصائم بعد الصلاة إلى إكمال إفطاره، وقد زال عنه
الشعور بالمهم . ومن المعروف أن تناول كميات كبيرة من الطعام دفعة واحدة
وبسرعة قد يؤدي إلى انتفاخ المعدة وحدوث تلبك معوي وعسر هضم .
5- اختر لنفسك غذاء صحيا متكاملا :
فاحرص على أن يكون غذاؤك متنوعا وشاملا لكافة العناصر الغذائية ، واجعل في
طعام إفطارك مقدارا وافرا من السلطة ، فهي غنية بالألياف ، كما تعطيك
إحساسا بالامتلاء والشبع ، فتأكل كمية أقل من باقي الطعام . وتجنب التوابل
البهارات والمخللات قدر الإمكان . كما يستحسن تجنب المقالي والمسبكات ، فقد
تسبب عسر الهضم وتلبك الأمعاء .
6 – فقد أوصي الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بضرورة تناول وجبة السحور .
ولا شك في أن تناول السحور يفيد في منع حدوث الإعياء والصداع أثناء نهار رمضان ، ويخفف من الشعور بالعطش الشديد .
كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تأخير السحور فقال : "ما تزال أمتي بخير ما تجملوا ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور "
ويستحسن أن يحتوي طعام السحور على أغذية سهلة الهضم كاللبن الزبادي والعسل والفواكه وغيرها .
7- وصية لتجنب الإحساس بالعطش :
حاول تجنب الأغذية الشديدة الملوحة ، وتجنب التوابل والبهارات وخاصة عند
السحور لأنها تزيد الاحساس بالعطش . ويستحسن تجنب استعمال الأغذية المحفوظة
، أو الوجبات السريعة التحضير .
واشرب كمية كافية من الماء مع عدم المبالغة في ذلك.
8- وصية لتجنب الإمساك :
وإذا كنت ممن يصابون بالإمساك ، فأكثر من تناول الأغذية الغنية بالألياف
الموجودة في السلطات والبقول والفواكه والخضار ، وحاول أن تكثر من الفواكه
بدلا من الحلويات الرمضانية ، واحرص على صلاة التراويح وأداء النشاط الحركي
المعتاد.
9- تجنب النوم بعد الإفطار
بعض الناس يلجأ إلى النوم بعد الإفطار والحقيقة ، فإن النوم بعد تناول وجبة
طعام كبيرة ودسمة قد يزيد من خمول الإنسان وكسله . ولا بأس من الإسترخاء
قليلا بعد تناول الطعام . وتظل النصيحة الذهبية لهؤلاء الناس هي ضرورة
الاعتدال في تناول طعامهم ، ثم النهوض لصلاة العشاء والتراويح ، فهي تساعد
على هضم الطعام ، وتعيد لهم نشاطهم وحيويتهم .
10- رمضان فرصة للتوقف على التدخين
من المؤكد أن فوائد التوقف عن التدخين تبدأ منذ اليوم الأول الذي يقلع فيه
المرء عن التدخين ، فمتى توقف عن التدخين بدأ الدم يمتص الأوكسيجين بدلا من
غاز أول أكسيد الكربون السام ، وبذلك تستقبل أعضاء الجسم دما مليئا
بالأوكسجين ، وتخف الأعباء الملقاة على القلب شيئا فشيئا .
والمدخنون الذين يريدون الإقلاع عن هذه العادة الذميمة سوف يجدون في رمضان
فرصة جيدة للتدرب على ذلك . فإذا كنت أيها الصائم تستطيع الإقلاع عن
التدخين لساعات طويلة أثناء النهار ، فلماذا لا تداوم على ذلك . وليس هذا
صعب بالتأكيد، لكنه يحتاج إلى عزيمة صادقة ، وتخيل دائم لما تسببه السيجارة
من مصائب لك ولمن حولك .
11- إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يغضب
حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه . فماذا يفعل الغضب في رمضان
؟ من المعلوم أن الغضب يزيد من إفراز هرمون الأدرينالين في الجسم بمقدار
كبير ، وإذا ما حدث ذلك في أول الصيام ( أي أثناء هضم الطعام ) فقد يضطرب
الهضم ويسوء الامتصاص ، وإذا حدث أثناء النهار تحول شيء من الجليكوجين في
الكبد إلى سكر الجلوكوز ليمد الجسم بطاقة تدفعه للعراك ، وهي بالطبع طاقة
ضائعة .
وقد يؤدي ارتفاع الأدرينالين إلى حدوث نوبة ذبحة صدرية عند المصابين بهذا
المصابين بهذا المرض ، كما أن التعرض المتكرر للضغوط النفسية يزيد من تشكل
النوع الضار من الكولسترول ، وهو أحد الأسباب الرئيسية لتصلب الشرايين .
12- وصية للحامل والمرضع في شهر رمضان :
ينبغي على الحامل والمرضع استشارة الطبيب فإذا سمح لها بالصيام فينبغي
عليها عدم التهام كمية كبيرة من الطعام عند الإفطار ، وتوزيع طعام الإفطار
المعتدل إلى وجبتين : الأولى عند الإفطار ، والباقي بعد أربع ساعات . كما
تنصح بتأخير وجبة السحور ، والإكثار من اللبن الزبادي ، والإقلال من الطعام
الدسم والحلويات .
أما لمرضع ، فإن صامت فيجب أن توفر للمولود كمية إضافية من الماء والسوائل
ليشربها خلال ساعات الحر بجانب الرضاعة من ثدي الأم وعليها الاهتمام
بغذائها من حيث الكمية والنوعية . كما ينبغي أن تكثر من الرضعات في الفترة
بين الإفطار والسحور . فإذا ما شعرت بالتعب والإرهاق فعليها إنها صومها
واستشارة الطبيب .
13- دربوا أطفالكم على الصيام برفق ولين :
ينبغي تدريب الطفل على الصيام بعد سن السابعة ، وتعتبر السنة العاشرة السنة
النموذجية لصيام الطفل ، ولا يجوز ضربهم أو إجبارهم على الصيام لأن ذلك قد
يدفع الطفل إلى تناول المفطرات سرا ،وتكبر معه هذه الخيانة ، ويراعى
التدرج في صيام الطفل عاما بعد عام .
وعلى الأم أن تراقب طفلها أثناء صيامه ، فإذا شعرت بمرضه أو إرهاقه وجب
عليها أن تسارع بإفطاره . وهناك عدد من الأمراض التي تمنع الطفل من الصيام
كمرض السكر وفقر الدم وأمراض الكلى وغيرها .
وينصح الأباء والأمهات بأن يحتوي طعام الطفل على كافة العناصر الغذائية ، وأن يحرصوا على إعطائه وجبة السحور .
14 – فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة أيام أخر "البقرة 184"
فمن رحمةالله بعبادة أن رخص للمريض الإفطار في شهر رمضان ، فإذا أخبر الطبيب المسلم مريضه أنه إذا صام أدى صيامه
إلى زيادة المرض عليه أو إلى إهلاكه وجب عليه الإفطار .
والفطور رخصة للمريض ، كما هي للمسافر ، ولكن لو تحامل المريض على نفسه
وصام أجزاه الصوم ، ولا قضاء عليه ، غير أنه إذا شق عليه الصوم مشقة شديدة ،
فليس من البر الصوم في المرض ، بل ربما كان المريض أولى من المسافر بهذا ،
لأن المسافر الذي يشق عليه السفر يجب عليه الفطر خشية المرض ، فالمرض أشد
خطرا ، ولهذا قدم في القرآن على السفر .
15 – إن كنت مريضا راجع طبيبك قبل البدء بالصيام :
فالقول الفصل في الصيام المريض أو عدمه هو للطبيب المسلم المعالج ، فهو
أدري بحالة المريض وعلاجه ، وهو الذي يعطي المريض النصيحة المثلى
والإرشادات المناسبة . فإذا سمح لمريضه بالصيام ، حدد خطة العلاج ، وقد
يضطر لتعديل طريقة تناول الدواء أو عدد جرعات الدواء .
16 – وصية لمرضى القلب :
يستطيع كثير من مرضى القلب الصيام ، فعدم حدوث عملية الهضم أثناء النهار
تعني جهدا أقل لعضلة القلب وراحة أكبر . فإن عشرة في المائة من كمية الدم
التي يدفع بها القلب إلى الجسم تذهب إلى الجهاز الهضمي أثناء عملية الهضم .
والمصابون بارتفاع ضغط الدم يستطيعون عادة الصيام شريطة تناول أدويتهم
بانتظام ، وهناك حاليا العديد من الأدوية التي يمكن إعطاؤها مرة واحدة أو
مرتين في اليوم .
وينبغي على هؤلاء المرضى تجنب الموالح والمخللات والإقلال من ملح الطعام ،
أما المصابون بالذبحة الصدرية المستقرة فيمكنهم عادة الصيام مع الاستمرار
في تناول الدواء بانتظام .
وهناك عدد من حالات القلب التي لا يسمح فيها بالصيام كمرضى الجلطة الحديثة ،
والمصابين بهبوط ( فشل ) القلب الحاد ، والمصابين بالذبحة القلبية غير
المستقرة وغيرهم .
17- وصية للمصابين بالحصيات الكلوية :
إذا لم يكن لدى المرء حصيات كلوية من قبل فلا داعي للقلق في رمضان . أما
إذا كانت لديهم حصيات ، أو قصة تكر حدوث حصيات كلوية فيمكن أن تزداد حالتهم
سوءا إذا لم يشرب المريض السوائل بكميات كافية . ويستحسن في مرضى الحصيات
بالذات الامتناع عن الصيام في الأيام الشديدة الحرارة ، حيث تقل كمية البول
بدرجة ملحوظة . ويعود تقدير ذلك للطبيب المعالج ، وعموما ينصح مرضى
الحصيات الكلوية بتناول كميات كافية من السوائل في المساء وعند السحور ، مع
تجنب التعرض للحر والمجهود المضني أثناء النهار ، كما ينصح هؤلاء بالإقلال
من تناول اللحوم ومواد معينة مثل السبانخ والسلق والمكسرات وغيرها .
18- وصية لمرضى السكر :
إذا قرر الطبيب أنه بإمكان مريض السكر الصيام ، فينبغي على المريض الالتزام
بوصايا الطبيب ، والمحافظة على نفس كمية ونوعية الغذاء الذي وصفه له .
وتقسم هذه الكمية إلى ثلاثة أجزاء متساوية ، بحيث يتناول الأولى عند الإفطار ، والثانية بعد صلاة التراويح ، والثالثة عند السحور .
ويفضل تأجيل وجبة السحور قدر الإمكان ، والإكثار من تناول الماء ، والإقلال
من النشاط الجسدي أثناء فترة الصيام ، وخاصة في الفترة الحرجة ما بين
العصر والمغرب . وإذا شعر المريض بأعراض انخفاض السكر فعليه أن يفطر ولا
ينتظر وقت الإفطار ولو كان ذلك الوقت قريبا .
19- وصية للمصابين بعسر الهضم
كثيرا ما تتحسن حالة هؤلاء المرضى في شهر رمضان ، شريطة ألا تكون لديهم
قرحة حادة في المعدة أو الإثنى عشر أو التهاب في المرئ أو أي سبب عضوي آخر .
وينصح هؤلاء بتناول وجبات صغيرة من الطعام ، وتجنب التخمة والأطعمة الدسمة
والحلويات ، كما ينصح بتجنب التعرض للضغوط النفسية الشديدة ، والابتعاد عن
البهارات والمسبكات .
20 – وصية أخيرة : هل حقا نحن نصوم رمضان ؟
فالصيام حركة في النهار سعيا وراء الرزق الحلال . وهو حركة في الليل في
صلاة التراويح ، وهو دعوة لجسم سليم ..وقلب تائب لله ، طامع في رحمته .
ولكن للأسف الشديد ، فإن الصيام الذي يمارسه البعض منا ، ليس هو الصيام
الذي شرعه الخالق ، فهو نوم لمعظم النهار ، وغضب لأتفه الأسباب ن بدعوى
الصيام .
فالصيام عند البعض كسل جسدي ، وانفعال نفسي في النهار ، وتخمة وسهر في اللهو والعبث في ليل رمضان .
أليس حراما أن نضيع هذا الموسم الفياض بالخيرات كل عام ؟
أليس رمضان موسما للطاعة والعبادة ، وموسما للصحة والسعادة ، وفوق هذا وذاك رحمة ومغفرة وعتقا من النار ؟!
منقول