هي مشاعر تُشعر الإنسانَ بإنسانيته، وترتفع بروحه من مستنقع الحيوانية، إلى فضاء الشفافية الروحية، والطمأنينة النفسية؛ فتنزع الروح من الثرى، لتسافر بها لتعانق الثريا.
فما أجملَ أن نعيش تلك المشاعر التي تضفي على الحياة جمالاً ورونقًا، وبهجة وسرورًا!
فإليك يا أخي، وإليك يا أختي بعضًا من تلك المشاعر:
• حين تلمُّ بك مصيبةٌ، وتضيق أمام ناظريك الحياةُ، وتلتفت ببصرك يمينًا وشمالاً فلا ترى أنيسًا ولا مفرجًا لكُربتك، حينها يدقُّ ناقوسَ غفلتك نداءٌ من السماء: (يا عبدي أين تذهب؟ ألك ربٌّ سواي؟)، فيردِّد قلبُك فرحًا وبهجة بفطرته: لا يا رب، ما لي ربٌّ سواك.
• حين تأخُذ منك دنيا الغرور الأحبابَ والأصحاب، وتدفع بهم إلى برزخ إلى يوم المعاد، وتتذكَّر أيامهم، وتراجع ذكرياتهم، حينها تسمع نداء يقول لك: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58].
• حين تزلُّ قدمُك في وحل المعصية، ويضيق صدرُك بها، ويعلو وجهَك ظُلمةٌ، حينها ينادي ربُّ العزة والجلال في الثلث الأخير من الليل: (هل من داعٍ فأستجيبَ له؟ هل من سائل فأعطيَه؟ هل من مستغفرٍ فأغفرَ له؟).
حينها استعذ بالله من الشيطان الرجيم، وانهض من فراشك، وصلِّ ركعتين بدمعتين حرتين توبةً وندمًا، وسترى كيف أنه أحال ضيقَ صدرك إلى جنة ترتع فيها، وأزال ظلمةَ وجهك ليحيله بدرًا يتلألأ بنور الطاعة.
• حين ترى النعمة التي تفتقدها وتتمنَّاها، قد وهبها الله - تعالى - لغيرك، فيزين لك الشيطان حسده وبغضه، فيهزك كيانك بأنِ اسمع قوله - تعالى -: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32]، فاسأل الله - تعالى - من فضله؛ فكل الفضل والنعماء والآلاء عنده.
• حين تشعر بالجوع والعطش وأنت صائم، ويشعر جسدك بالتعب، فتذكَّر حينها أن هناك مَن هم على هذه الحال طوال حياتهم، فإذا شعرتَ بهم رقَّ القلبُ بعد قسوته، فيذهب ما بك من تعب ونصب، ليحل محلَّه الألمُ على هؤلاء.
• حين ترى الناس من حولك يخوضون في الباطل، أو في القيل والقال، حينها خذْ كتاب الله - تعالى - بين يديك، وارتع في جنبات قدسه؛ فهو الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42].
• حين يجافيك الأصحاب، وترى من الناس بُعدًا، فاجلس جِلْسة مناجاة مع ربك، أو ارتع في واحات المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فستجد أنسًا وقربًا، وفسحة روح، وجليس خير، خير من كل من جافاك.
فيا أحبة، هذه بعض المشاعر التي إن عشتَ واحدة منها، علمتَ مدى عظم نعمة الله - تعالى - عليك أنْ جعلك مسلمًا فيك مشاعرُ يفتقدها كثيرٌ من الناس.
فيا أخي ويا أختي:
أطلقوا القلوب من قيود الشهوات، لترتع في فسح الجنان الإيمانية؛ فإنها مشاعر - والله - لا توصف؛ فهي فوق الخيال.