--------------------------------------------------------------------------------
تحليل التوجه قبل تقويم السلوك!
قبل أن تشرع في تقويم سلوك ابنك غير المسئول، أنت بحاجة لأن تحلل كيف بدأ هذا التوجه لديه: ما الذي يفعله أو يقوله ابنك تحديداً مما ينم عن عدم تحمله للمسئولية؟ ألا يهتم بمقتنياته؟ ألا يهتم بمقتنيات الآخرين؟ ألا ينهي واجباته بنفسه؟ ألا يؤدي واجباته المدرسية؟ هل يضع الأشياء في غير موضعها؟ ألا يملك القدرة على الاستيقاظ في موعده بدون أن يدأب أحد على إيقاظه؟ هل هو بحاجة إلى تدليل أو صياح أو رشوة لكي ينهي مهامه أو واجباته أم أنه يتوقع أن يؤديها شخص آخر نيابة عنه؟
وفق مقياس من صفر إلى عشرة، إن طلبت من ابنك أن يؤدي مهمة ما، إلى أي مدى سوف يستجيب ويفي بوعده؟ كلما كنت محدداً في تشخيصك زادت فاعلية العلاج المتبع وخطة التقويم الموضوعة:
لماذا؟
ماهو السبب الذي يدفع ابنك إلى ذلك؟ مالذي يجنيه من ورائه؟ هل يهرب على سبيل المثال من أداء مهامه وواجباته؟ هل يقوم شخص ما بجمع كل ما يبعثره ويخلفه وراءه؟ هل يحميه هذا من مسئولية الفشل أو الحرج؟ هل هو فقط الطريق الأسهل؟ هل كنت تعامله بعدم إشعاره بالمسئولية؟ هل سبق وعلمته أو علمه أحد أن يكون مسئولاً؟ هل يتحمل كل فرد من أفراد أسرتك مسئولياته؟ مالذي تعلمه ابنك من عدم تحمل المسئولية؟
ماذا؟
ماهي القضايا أو الأشياء التي يكون فيها أقل تحملاً للمسئولية؟ أي عند أداء الواجب المدرسي مثلاً؟ أم عند اعادة الكتب إلى المكتبة؟ أم أداء المهام المنزلية؟ أم العناية بمقتنياته الشخصية؟ أم مقتنيات الآخرين؟ الملابس؟ الأدوات الرياضية؟ المواعيد؟
من؟
هل يمارس هذا السلوك مع الجميع؟ هل هناك بعض الأشخاص يدفعونه إلى اتباع هذا السلوك مثل المدرس أو الجدة أو المدرب؟ مالذي يدفعه إلى ممارسة هذا السلوك مع البعض دون غيرهم من وجهة نظرك أنت؟
متى؟
هل هناك وقت معين يكون فيه أكثر ميلاً إلى ممارسة هذا السلوك. أي قبل المدرسة مباشرة؟ وقت العشاء؟ وقت أداء المهام المنزلية؟ وقت أداء الواجبات المدرسية؟ أثناء مباريات كرة القدم؟ إن كان الحال كذلك فما هو السبب؟
أين؟
هل هناك أماكن معينة يكون فيها أكثر ميلاً للمارسة هذا السلوك ( في المدرسة أو الحضانة أو المنزل أو المعسكر أو مع مجموعة اللعب أو لدى العم) لماذا؟
كيف؟
ماهي تحديداً الطريقة التي يمارس بها طفلك عدم تحمله المسئولية؟ هل يلقي على سبيل المثال اللوم على الآخرين؟ هل يختلق الأعذار؟ هل يكذب؟ هل يسعى لتوريط شخص آخر لأداء مهامه نيابة عنه؟ هل يتوقع أن يقوم أحدهم بتدارك تداعيات المشاكل التي تسبب هو فيها؟ هل يخفي تجاهله؟ هل يتحدى مطالبك؟ هل يبدو غير مكترث؟ هل يتهمك أنت بعدم تحمل المسئولية (لأنك لم تذكره، لم توقظه، لم تعد الشيء)؟
الآن ألق نظرة فاحصة على إجاباتك هل هناك نمظ متكرر؟ ماهو التشخيص الأمثل للأسباب التي دفعت ابنك إلى اكتساب هذا التوجه؟ ناقش الأمر مع غيرك ممن لديهم معرفة جيدة بابنك، ضع شيئًا واحداً فقط في اعتبارك وهو أن ابنك يلجأ إلى هذا السلوك لأنه أثبت نجاحه، مالذي يمكنك عمله لكي تعلمه أن هذا السلوك غير مجد؟ والآن دعنا نلق نظرة على كيفية الاستجابة لتوجه ابنك.
ماهي الطريقة التي تستجيب بها عادة لتصرفات طفلك غير المسئولة؟ ماهي – على سبيل المثال- المرة الأخيرة التي مارس فيها ابنك هذا السلوك؟ استرجع ذهنياً الموقف وطريقة تصرفك.
والآن ركز الصورة عليك أنت تأمل نفسك كيف كانت استجابتك له؟ هل تركته –على سبيل المثال- يفلت بفعلته أم أنك حملته المسئولية؟ هل اختلقت له عذرًا أم أجبرته على الاعتذار؟ هل قمت بأداء واجبه نيابة عنه؟ هل تنطبق عليك أي من الاستجابات التربوية التالية حيال تصرفات ابنك غير المسئولة؟
· المنقذ. هل تبادر بإنقاذ ابنك وحل مشاكله نيابة عنه؟
· الفاعل. هل تجد نفسك تقوم بأداء مسئولياته أو انهاء معظمها نيابة عنه؟
· مختلق الأعذار. هل تبادر باختلاق الأعذار لتصرفات ابنك غير المسئولة؟
· مفرط في التوقع. هل تكبل ابنك بالتوقعات الكبيرة غير الواقعية؟
· قليل التوقع. هل تحد من كم توقعاتك تجاه ابنك؟
· معرقل. هل تسعى لتعقيد الأمور على ابنك؟
· مذكر. هل تسعى دائماً لتذكير ابنك بواجباته ومهامه وجدوله؟
· أمور أخرى؟؟
إذن فأنت تحتاج عزيز المربي أن تلقي نظرة على ابنك لتعرف كيف تعلَّم التخلي عن المسئولية ثم تلقي نظرة على نفسك أنت لتعرف أيضاً هل كنت سبباً في هذه النتيجة التي وصل إليها ابنك أم لا؟
[مستفاد من: لا تعاملني بهذا الأسلوب د.ميشيلي بوربا، ص(263-264)]
ومن خلال عرض نماذج تفاعل الآباء مع سلوك الطفل الغير مسئول أو المسئول سنجد أن الأطفال الغير مسئولين ماهم إلا نتيجة ثلاث حتميات وهي:
1. القدوة السيئة في تحمل المسئولية.
2. المساعدة الزائدة عن الحد ( سواء من الوالدين أو الوسط المحيط).
3. التثبيط والعرقلة للطفل الذي يريد أن يكون مسئولاً.
أولاً: القدوة السيئة في تحمل المسئولية:
ترى ما سر الإختلاف بين أطفال الأمس وأطفال اليوم!
(استرجع أيام طفولتك وصباك عندما كنت تكبر هل كنت مسئولاً عن أداء بعض المهام في منزلك؟ إن كان الحال كذلك فما هي هذه الأشياء؟ هل أصبحت مسئولاً الآن؟
وقد أظهرت الدراسات أن الأطفال منذ عقود قليلة كانوا مسئولين عن أداء مهام تفوق المهام التي يقوم بها أطفال اليوم، مالذي تغير في نمط حياتنا وسبب هذا الإنحدار في حس المسئولية لدى الأطفال؟ كيف يؤثر هذا التوجه على الأبناء؟
إن ابنك لم يولد بهذا التوجه، إذن من أين يكتسبه؟ يجب أن تفكر بجدية ما إن كان قد اكتسب هذا السلوك من الآخرين أو حتى منك أنت! تخير مما يلي ما ينطبق عليك:
· هل تركز على أهمية المسئولية في بيتك؟
· هل تلقي اللوم على الآخرين بسبب مشاكلك ولا تتحمل مسئولية أفعالك؟
· هل تتأخر دائماً عن إحضار ابنك من المدرسة؟
· هل تحضر اجتماعات مجلس الآباء وتبعث الردود والإجابات التي تطلبها المدرسة منك في الوقت المحدد لها؟
· هل تسعى لتبرير مشاكلك؟
· هل تتراكم الفواتير والاستطوانات والكتب التي مضى تاريخ إعادتها فوق مكتبك؟
· عندما تخطيء هل تعترف بخطئك؟ وهل يسمعك ابنك وأنت تفعل ذلك؟
· هل يقول الآخرون إنه يمكنهم الاعتماد عليك وأنت تلتزم بما تقوله؟
· هل تعتني بمقتنياتك وممتلكاتك؟
ماهي الخطوة الأولى التي يجب أن تتخذها مع نفسك لكي تساعد ابنك على مواجهة سلوك غير مسئول دون التغييرات التي تحتاج إلى عملها؟) [لا تعاملني بهذا الأسلوب د.ميشيلي بوربا ص(263-268)].
(يعتبر الشعور بالمسئولية لدرجة ما مكتسبًا أي لا معلم ويستطيع الآباء أن يوالوا النصح حتى تبح أصواتهم ولكن ذلك لا يجدي قليلاً إلا إذا كانوا نهم أنفسهم مقدرين للمسئولية. فإذا هم تصرفوا كأشخاص بالغين ويؤدون التزاماتهم باغتباط عظيم، سوف لا يكون هناك داع للوعظ أو الألفاظ الجوفاء. فالاحساس والآراء والعواطف تنتقل بسهولة من الآباء والمدرسين إلى الأطفال) [تربية الشعور بالمسؤولية عند الأطفال كونستا نيس فوستبر ص(107)].
ثانياً: المساعدة الزائدة عن الحد ( سواء من الوالدين أو الوسط المحيط)
هل يمكن أن تساعدني؟
(عندما يواجه الآباء هذا المطلب من أطفالهم فاستجابتهم الطبيعية هي تقديم المساعدة، وتقديم المساعدة لأطفالنا هو جزء من دورنا كآباء فهذا الأمر لا يفيدهم فقط ولكنه بالإضافة إلى ذلك يجعلنا نشعر بأننا مصدر للفائدة.
وبالنسبة للواجب المنزلي فلا بأس في بعض المساعدة ولكن على أن تكون محدودة وقاصرة على إعانة الطفل على فهم التعليمات الخاصة بأداء الواجبات وإذا كان من الممكن إعطائه بعض الأمثلة على حل المشكلات التي قد تواجهه وبعد ذلك يجب أن يتوجه إلى المكان المخصص لأداء واجباته ليكمل واجبه بنفسه فالقيام بذلك يعطيه رسالة تقول: (إنك قادر على أداء واجباتك بنفسك).
وتقديم مساعدة أكثر من ذلك لطفل من الممكن أن يؤدي إلى بعض المشكلات فبعض الأطفال يعتادون على تلقي المساعدة من آبائهم، وهذا أمر يمكن تفهمه فالطبيعة البشرية تجعلنا عادة نبحث عن طرق سريعة وسهلة لحل المشكلات بدلاً من مواجهة ما تنطوي عليه محاولة اكتشاف هذه الطرق بأنفسنا من ضيق وعدم ارتياح والطفل الذي يعتاد بشدة على تلقي المساعدة من أبويه على أداء واجباته سوف يدافع ويجادل دائماً على أساس أنه لا يستطيع عمله بدون مساعدتهم.
ففي كل مرة يستسلم فيها الآباء ويقررون منح أطفالهم المساعدة في مثل هذه المواقف فإنهم بذلك يؤصلون حاجتهم إليها كما أنهم بذلك يؤصلون في نفس الطفل الاعتقاد الذاتي الذي يقول: (ليس لدي ما يلزم من قدرات لأقوم بأداء واجباتي بنفسي).
وبهذه الطريقة يصبح الآباء في موقف لا يحسدون عليه فهم من ناحية يرغبون في تقديم المساعدة لأبنائهم في أداء واجباتهم عندما يطلبون ذلك ولكنهم من ناحية أخرى لا يريدون أن يعتاد الأبناء على تلقي المساعدة وكذلك فهم لا يريدون أن تكون هذه المساعدات بمثابة رسالة موجهه إلى أبنائهم تفيد بأنهم ليسوا قادرين على أداء واجباتهم بأنفسهم) [التربية الذكية، د.لاري جيه كوينج، ص(137)].
ثالثاً: التثبيط والعرقلة للطفل الذي يريد أن يكون مسئولاً:
الاستقلالية والمبادأة في مقابل الخجل والشعور بالذنب!
الواقع أن مايؤول إليه موقف الطفل هذا يتوقف إلى حد كبير على اتجاه الوالدين فإذا كان للطفل أن يصل إلى أي نتيجة إيجابية في حل هذا الصراع فإن ذلك يستلزم صبراً وتشجيعاً إلى أبعد حد من ناحية الكبار، ذلك أن رغبة الطفل في النشاط الذاتي في هذه المرحلة عادة ماتكون ملحة تتحدى كل نية حسنة للوالدين اللذين يجدان أن عليهما واجبات كبيرة لكي يرتفعا إلى المستوى المطلوب، فعليهما أن يتعلما الصبر وأن يمتدحا طفلهما ويشجعاه ويساعداه بل أن يمتصا الاهانات في بعض الأحيان وأن يظهرا من المشاعر ما لا يشعران به حقيقة وأن يسمحا للطفل مرغمين بمحاولة القيام بأشياء يعرفان مقدماً أن من الصعب عليه القيام بها.
فإذا نجح الأبوان في ذلك كله واستطاعا أن يتحملا العبء الشديد في تشجيع الطفل على ممارسة سلوكه التلقائي وتجريب أعمال جديدة باستمرار كان الأمل كبيرا في تنمية الشعور بالكفاءة لديه والوصول به إلى الأساس الضروري للنمو السوي في المراحل التالية.
إن الأطفال الذين تتاح لهم هذه الفرصة يكتسبون قدرًا من الثقة بالنفس بما يجعلهم يجدون متعة كبرى في التصرف بشكل استقلالي والقيام بواجبات النمو لهذه المرحلة على أكمل وجه، ومن ثم الانتقال بسلام إلى المرحلة التالية.
على أن بعض الآباء قد لا يستطيع ذلك وبدلاً من التشجيع قد يعمد هؤلاء إلى النقد والإحباط الاصرار على حجب تلك الخبرات الإيجابية عن الطفل، وتكون النتيجة عندئذٍ هي نمو شعور جارف من الخجل والشك والشعور بالذنب، وتلك هي النتيجة السلبية التي قد يصل إليها الطفل بنهاية هذه المرحلة.
إن مثل هؤلاء الأطفال يفقدون الثقة في أنفسهم وفي قدرتهم على الأداء، ويتوقعون الفشل فيما يقومون به.
ولما كانت مثل هذه المشاعر شيئاً مؤلمًا، لذا فإن الطفل تجنباً لها قد يعزف عن القيام بأي نشاط جديد، وعلى ذلك يصبح اكتساب المهارات الجديدة بطيئاً ومؤلماً ويحل محل الثقة بالنفس شعور دائم بالشك في القدرة على القيام بأي عمل جديد، ويرتاح الطفل فقط إلى الإقدام على المواقف المألوفة والتي يكون التصرف فيها معروفاً ومحدداً وحيث يكون احتمال الخطأ في أدنى حدوده وفي هذا تعطيل للنمو) [الطفل من الحمل إلى الرشد د.محمد عماد الدين اسماعيل ص(348)].