|
المتظاهرون التونسيون حددوا مطلبهم بإسقاط ابن علي (الأوروبية)
| خالد شمت -برلين
تساءلت مديرة وحدة المغرب العربي بمؤسسة الدراسات الأمنية والسياسية في برلين إيزابيلا فيرنفيلس في مقال بصحيفة دير شبيغل الألمانية عن السبب في تحول اضطرابات تونس إلى ثورة نجحت في الإطاحة برأس النظام زين العابدين بن علي، في وقت شهدت فيه الجزائر المجاورة اضطرابات مماثلة دون أن تفضي لأي تغيير سياسي يذكر. وأرجعت فيرنفيلس -التي تعد مؤسستها آلية استشارية للحكومة الألمانية في مجال السياسة الخارجية– الاختلاف الكبير في محصلة الاضطرابات في الجارين المغاربيين، إلى خمسة اختلافات في هيكلتهما السياسية والمجتمعية. وذكرت أن أول هذه الاختلافات هو "الفارق الكبير بين الأبعاد الاجتماعية للغليان الشعبي في البلدين، ففي الجزائر بقيت مظاهرات الشبيبة المتسمة بالعنف محصورة في مناطق معينة، وحتى بعد اتساعها مارست حكومة أحمد أويحيى معها سياسة أثبتت نجاعتها في تهدئة اضطرابات مماثلة سابقة وهي تخفيض الأسعار وتقديم محفزات مالية". وبشكل عام -تضيف فيرنفيلس- لدى الجزائر ميزة فعالة لم تتوافر لجارتها تونس لنزع فتيل الخطورة من الاضطرابات، وهي حرية التعبير عن الرأي.
وأشارت الباحثة الألمانية إلى أن الاضطرابات الأخيرة في تونس دولة الحزب الواحد كانت الأولى بهذه الضخامة منذ وصول ابن علي للسلطة، وشارك فيها إلى جانب الشبيبة كافة شرائح المجتمع الذي روعه العنف الأمني الوحشي وسقوط ضحايا كثيرين من المتظاهرين.
مطالب وتداعيات
|
اضطرابات الجزائر لم يكن لها تأثير على صناعة النفط، في حين شلت ثورة تونس المجال السياحي الذي يعد عصب البلاد (الأوروبية)
| وقالت فيرنفيلس إن الاختلاف الثاني هو أن المتظاهرين التونسيين حددوا مطلبهم بإسقاط ابن علي الذي فشلت إستراتيجيته لإحلال الرخاء مكان الديمقراطية، بعد تفشي البطالة على نطاق واسع حتى بين المتعلمين، ووصول التفاوت الطبقي إلى مستوى مخيف واتباع الأسرة الحاكمة أساليب المافيات الإجرامية.ولفتت إلى أن البرقيات الدبلوماسية الأميركية السرية المتعلقة بتونس في موقع ويكيليكس قد أعطت التونسيين دفعة قوية للانتفاض على بن علي. واعتبرت الباحثة أن الواقع الجزائري في هذا الجانب كان مختلفا عن تونس، فنظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم يكن لديه مشروع اقتصادي يستخدمه للترويج لمشروعه، كما أن علاقته مع مواطنيه اتسمت بكراهية وعدم ثقة تحولا إلى احتقار متبادل، في وقت يدار فيه الاقتصاد الجزائري من مجموعات حكومية مماثلة لعصابات المافيا.
ولفتت الباحثة الألمانية إلى أن الاختلاف الثالث بين مظاهرات تونس والجزائر هو أن اضطرابات الأولى كانت لها تأثيرات اقتصادية خطيرة، لأنها مست المجال السياحي عصب الاقتصاد وعامل الجذب للاستثمارات العالمية، وأشارت إلى أن صناعة النفط والغاز الجزائرية الممثلة لمصدر الدخل الرئيسي بقيت بمنأى عن الاضطرابات في هذا البلد الذي لا يوجد به نشاط سياحي، ويعد الاستثمار الأمن فيه مشكلة كبيرة.
|
خبرة وعصا وقالت الباحثة إن الاختلاف الرابع بين محصلة الغضب الشعبي التونسي والجزائري هو تمتع نظام بوتفليقة بخبرة سياسية متمرسة في مواجهة الهبات الشعبية وتنفيث غضبها، في وقت لم يعرف ابن علي سوى لغة العصا الغليظة وضرباتها الوحشية.
" الباحثة إيزابيلا فيرنفيلس اعتبرت أن أحد الاختلافات الرئيسية بين محصلة الغضب الشعبي التونسي والجزائري هو تمتع نظام بوتفليقة بخبرة سياسية متمرسة في مواجهة الهبات الشعبية وتنفيث غضبها، في وقت لم يعرف ابن علي سوى لغة العصا الغليظة وضرباتها الوحشية " | وأوضحت أن الأجهزة الأمنية الجزائرية انسحبت من المواجهة مع المتظاهرين وتركت الإجراءات السياسية تعالج الأمر بتخفيض أسعار السكر والزيت والسلع الرئيسية وبقرارات إضافية أخرى.ونوهت إلى أن الجزائريين كانوا قادرين باستمرار على اللجوء لاستخدام فوائضهم المالية المتراكمة من مبيعات النفط والغاز – غير المتوافرين بكثرة في جارتهم تونس – لضخ مسكنات اقتصادية تهدأ فورا الغضب الشعبي.
وقالت الباحثة الألمانية إن اضطرابات الجزائر لم تفض إلى نتيجة مماثلة لما جرى في تونس لسبب خامس، هو أن بقاء واستمرار النظام الجزائري لا يعتمد على شخصية رئيسه الذي لن يؤدي تغييره إلى تغيير النظام أو طبيعته. وخلصت في المقابل إلى أن "جعل ابن علي نفسه محور النظام التونسي خلق وضعا شديد الإشكالية لهذا النظام، مما حتم الإطاحة به بعد أن غض الغرب كلا عينيه وليس عينا واحدة عن انتهاكاته لحقوق الإنسان لمدة 23 عاما.
|